في خطوة علمية بارزة قد تغير قواعد اللعبة في إدارة مرض السكري من النوع الثاني، كشفت سلسلة من الأبحاث والدراسات المنهجية أن مجموعة غذائية متواضعة ومتاحة للجميع، وهي البقوليات، قد تكون السلاح الأكثر فعالية في ترسانة النظام الغذائي لمرضى السكر.
وتشمل هذه الفئة الغذائية الغنية كلاً من العدس، والحمص، والفول، والفاصوليا بجميع أنواعها.
وتؤكد النتائج أن دمج البقوليات بشكل منتظم في النظام الغذائي لا يساعد فقط على تنظيم مستويات السكر في الدم، بل يقدم أيضاً فوائد جمة لصحة القلب والأوعية الدموية، مما يجعلها خياراً استراتيجياً وشاملاً لتحسين جودة حياة الملايين من المصابين بهذا المرض المزمن حول العالم.
سر الفعالية: تركيبة غذائية فريدة
يكمن سر تفوق البقوليات في تركيبتها الغذائية الاستثنائية التي تجعلها مثالية للتعامل مع التحديات الأيضية التي يفرضها مرض السكري.
أولاً، تتميز البقوليات بمؤشر جلايسيمي منخفض (Low GI)، مما يعني أنها تُهضم وتُمتص ببطء، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع تدريجي ومعتدل في مستويات الجلوكوز في الدم بدلاً من الارتفاعات الحادة والمفاجئة التي تسببها الكربوهيدرات المكررة.
ثانياً، هي مصدر غني جداً بالألياف الغذائية القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان؛ حيث تعمل الألياف القابلة للذوبان على تكوين مادة شبيهة بالهلام في الجهاز الهضمي، مما يبطئ امتصاص السكر والكوليسترول، بينما تساهم الألياف غير القابلة للذوبان في تعزيز الشعور بالشبع لفترات أطول، وهو ما يساعد في التحكم بالوزن، وهو عامل حاسم في إدارة مرض السكري.
نتائج دراسات علمية رصينة
لم تعد هذه الفوائد مجرد نظريات، بل تم إثباتها من خلال دراسات سريرية محكمة.
إحدى أبرز الدراسات التي نُشرت في مجلة "Archives of Internal Medicine"، تتبعت مجموعة من مرضى السكري من النوع الثاني وقارنت بين نظام غذائي غني بالبقوليات وآخر غني بالحبوب الكاملة.
أظهرت النتائج أن المجموعة التي استهلكت كوباً واحداً من البقوليات يومياً شهدت انخفاضاً ملحوظاً في مستوى الهيموغلوبين السكري (HbA1c)، وهو المقياس الرئيسي للتحكم في سكر الدم على المدى الطويل، بشكل يفوق المجموعة الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، سجلت مجموعة البقوليات انخفاضاً أكبر في ضغط الدم الانقباضي ومستويات الكوليسترول الضار (LDL)، مما يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب التي ترتفع بشكل كبير لدى مرضى السكري.
شهادة الخبراء: توصيات عملية للمرضى
يؤكد خبراء التغذية العلاجية على أهمية هذه النتائج ويدعون إلى تبنيها كجزء أساسي من الخطة العلاجية لمرضى السكر.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة سارة الحمدان، استشارية التغذية العلاجية وأمراض الأيض:
"إن البقوليات ليست مجرد طعام، بل هي أداة علاجية قوية واقتصادية.
ننصح مرضانا بإدراج حصة واحدة على الأقل من البقوليات في وجباتهم اليومية، سواء في السلطات أو الشوربات أو كبديل للحوم في بعض الأطباق الرئيسية.
من المهم التركيز على الأنواع المجففة التي يتم نقعها وطهيها في المنزل للتحكم الكامل في محتوى الملح وتجنب المواد الحافظة الموجودة في المنتجات المعلبة، والتي قد لا تكون الخيار الصحي الأمثل."
خلاصة وتوصيات مستقبلية
في الختام، تقدم الأدلة العلمية المتراكمة حالة قوية لاعتبار البقوليات حجراً أساسياً في النظام الغذائي لمرضى السكري.
فبفضل محتواها الفريد من الألياف والبروتين النباتي والكربوهيدرات المعقدة، فإنها توفر آلية طبيعية وفعالة للتحكم في نسبة السكر في الدم، وتحسين صحة القلب، والمساعدة في إدارة الوزن.
ومع ذلك، يظل من الضروري أن يقوم المرضى باستشارة أطبائهم أو أخصائيي التغذية قبل إجراء أي تغييرات جوهرية على نظامهم الغذائي، لضمان أن تكون هذه التعديلات متوافقة مع حالتهم الصحية العامة وخطتهم العلاجية.
إن تبني عادات غذائية بسيطة ومبنية على أسس علمية، مثل زيادة استهلاك البقوليات، يمثل خطوة هائلة نحو التعايش الصحي مع مرض السكري وتقليل مضاعفاته المستقبلية.
---