مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تتجه الأنظار والخطى نحو الحدائق العامة والمتنزهات التي تعد المتنفس الرئيسي للأسر والأفراد الباحثين عن بهجة العيد وسط الطبيعة الخلابة والهواء الطلق.

 

وفي خضم هذه الأجواء الاحتفالية، التي يمتزج فيها الفرح باللقاءات العائلية، تبرز ضرورة الوعي بالمسؤولية المجتمعية والقانونية تجاه هذه المرافق الحيوية.

 

عيد براحتك ولكن.. قانون العقوبات يترصد المتعدين على الحدائق والمتنزهات العامة

 

مع إشراقة شمس الأعياد والمناسبات الرسمية، تتجه الأنظار والخطى نحو المتنزهات والحدائق العامة، التي تمثل الرئة الخضراء للمدن والملاذ الذي تجتمع فيه الأسر والأصدقاء بحثاً عن الراحة والسكينة.

 

وتتحول هذه المساحات إلى لوحات اجتماعية نابضة بالحياة، تعج بضحكات الأطفال وأحاديث الكبار، في مشهد يعكس أهمية هذه المرافق كجزء لا يتجزأ من النسيج العمراني والاجتماعي.

 

إلا أن هذه الفرحة الجماعية قد يشوبها أحياناً بعض السلوكيات الفردية غير المسؤولة، والتي تتسبب في إتلاف وتشويه هذه الممتلكات العامة، وهو ما يضع مرتكبيها تحت طائلة القانون الذي لا يتهاون في حماية الحق العام وفرض عقوبات رادعة لضمان استدامة هذه المرافق للأجيال القادمة.

 

نصوص قانونية رادعة.. الغرامة والحبس في الانتظار

 

يغفل الكثيرون عن أن الاستمتاع بالحدائق العامة حق مكفول للجميع، لكنه حق مقيد بواجب الحفاظ عليها.

 

وفي هذا السياق، تشدد القوانين الجزائية في معظم الدول العربية على حماية الممتلكات العامة، ومن ضمنها الحدائق والمتنزهات.

 

فعلى سبيل المثال، تنص مواد قانون العقوبات بشكل واضح على تجريم كل فعل من شأنه إتلاف أو تخريب المنشآت المعدة للنفع العام.

 

وتتدرج العقوبات بحسب جسامة الفعل، حيث يمكن أن تبدأ من الغرامات المالية الكبيرة التي قد تصل إلى آلاف الدراهم أو الريالات، وتتصاعد لتصل إلى عقوبة الحبس لمدة قد تتجاوز ستة أشهر في الحالات التي يكون فيها الضرر كبيراً أو متعمداً.

 

وتشمل الأفعال المجرمة كسر المقاعد، أو إتلاف ألعاب الأطفال، أو تقطيع الأشجار والنباتات، أو حتى إشعال النيران في غير الأماكن المخصصة لها، مما قد يعرض سلامة الزوار للخطر.

 

مظاهر سلبية تخدش وجه الطبيعة الحضري

 

ترصد الجهات البلدية والرقابية خلال فترات الأعياد والإجازات جملة من الممارسات السلبية التي تهدد سلامة وجمال المتنزهات.

 

يأتي في مقدمتها ترك المخلفات والنفايات بشكل عشوائي، مما يحول المساحات الخضراء إلى مكبات مؤقتة تشوه المنظر العام وتجذب الحشرات والقوارض.

 

كما تنتشر ظاهرة الشواء في أماكن غير مسموح بها، الأمر الذي يتلف المسطحات العشبية ويترك وراءه بقعاً سوداء يصعب إزالتها، فضلاً عن خطر اندلاع الحرائق.

 

يضاف إلى ذلك، السلوكيات التخريبية المباشرة مثل الكتابة على الجدران والمرافق، وتكسير فروع الأشجار، والعبث بشبكات الري وأنظمة الإضاءة، وهي أفعال تكلف الدولة مبالغ طائلة لإصلاحها، وتحرم الآخرين من الاستفادة الكاملة من هذه المرافق الحيوية.

 

بين التوعية والرقابة.. جهود متكاملة للحفاظ على الرئة الخضراء

 

إدراكاً لخطورة هذه الظاهرة، تكثف البلديات والأجهزة المعنية حملاتها التوعوية قبيل وخلال مواسم الإجازات، مستخدمةً وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل تحث على السلوك الحضاري والمسؤولية المجتمعية.

 

وفي هذا الإطار، صرح مصدر مسؤول في إحدى البلديات قائلاً:

"نحن لا نسعى إلى تقييد فرحة الناس، بل إلى تنظيمها بما يضمن استمرارية هذه المرافق كمتنفس للجميع.
حملاتنا تركز على الشراكة مع الجمهور، فالمواطن والمقيم هما خط الدفاع الأول عن مكتسبات الوطن.
وفي الوقت نفسه، فإن فرقنا الرقابية ستكون حاضرة في الميدان لتطبيق القانون بحزم على كل من تسول له نفسه العبث بالممتلكات العامة، فالحق في الاستمتاع يقابله واجب الاحترام والمحافظة."

وتتكامل هذه الجهود التوعوية مع تشديد الرقابة الميدانية، حيث يتم نشر المفتشين وأفراد الأمن في الحدائق الكبرى لرصد المخالفات وتحرير المحاضر اللازمة فوراً، في رسالة واضحة بأن عهد التساهل مع مثل هذه التجاوزات قد ولى.

 

الاستمتاع المسؤول.. معادلة الفرحة المستدامة

 

في الختام، يبقى الحفاظ على الحدائق والمتنزهات مسؤولية مشتركة لا تقع على عاتق الجهات الرسمية وحدها، بل تمتد لتشمل كل فرد في المجتمع.

 

إن الاحتفال بالعيد والاستمتاع بالطبيعة لا يتعارض أبداً مع الالتزام بالقانون وقواعد السلوك القويم.

 

فترك المكان أنظف مما كان، واحترام المرافق المعدة لخدمة الجميع، والإبلاغ عن أي سلوك تخريبي، كلها مظاهر تعكس وعياً ورقياً حضارياً.

 

إن المعادلة بسيطة وواضحة: الاستمتاع حق، والمسؤولية واجب، وتطبيق القانون ضمانة لاستدامة هذا الحق للأجيال الحاضرة والمستقبلية، لتظل حدائقنا عامرة بالجمال والفرحة، لا بالنفايات وآثار الإهمال والتخريب.

 

فبينما تفتح الدولة أبواب هذه المساحات الخضراء للجميع للاستمتاع بها، يظل سيف القانون مسلطاً على كل من تسول له نفسه إتلافها أو العبث بمحتوياتها، مؤكداً أن فرحة العيد لا تعني أبداً التعدي على الممتلكات العامة التي هي ملك للجميع.

 

تفاصيل العقوبات في قانون العقوبات

 

يغفل الكثيرون أن السلوكيات التي قد تبدو بسيطة أو عفوية، مثل قطف زهرة أو كسر غصن شجرة، تقع تحت طائلة القانون ويمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة.

 

ينص قانون العقوبات المصري، على سبيل المثال في المادة 361، بشكل واضح وصريح على معاقبة كل من يقوم بتخريب أو إتلاف الممتلكات العامة.

 

وتتدرج العقوبات بحسب جسامة الفعل، حيث يمكن أن تصل إلى الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة جنيه ولا تتجاوز ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

 

وتتشدد العقوبة إذا ترتب على الفعل ضرر مادي جسيم أو إذا وقع الفعل في ظروف معينة تبرز خطورة الجاني، مما يؤكد أن المشرّع لم يتهاون مطلقاً في حماية هذه المرافق التي كلفت الدولة مبالغ طائلة لإنشائها وتجهيزها لخدمة المواطنين.

 

سلوكيات شائعة تحت طائلة القانون

 

لا يقتصر مفهوم الإتلاف على التدمير المتعمد والواضح، بل يمتد ليشمل مجموعة واسعة من السلوكيات السلبية التي يمارسها البعض عن جهل أو إهمال.

 

من بين هذه السلوكيات التي يعاقب عليها القانون: الكتابة والرسم على المقاعد والأسوار والألعاب، وترك المخلفات وبقايا الطعام والشواء في غير الأماكن المخصصة لها، مما يشوه المظهر الجمالي ويضر بالبيئة.

 

كما يشمل العقاب تكسير أغصان الأشجار أو قطف الأزهار والنباتات النادرة، والعبث بشبكات الري أو مصادر الإضاءة، وإتلاف ألعاب الأطفال.

 

كل هذه الأفعال، وإن بدت صغيرة في عين فاعلها، إلا أنها تشكل في مجموعها جريمة متكاملة الأركان تستوجب المساءلة القانونية، لأنها تحرم الآخرين من حقهم في الاستمتاع بمكان نظيف وآمن.

 

دعوة للمسؤولية المجتمعية والحفاظ على الممتلكات العامة

 

إلى جانب الرادع القانوني، يؤكد خبراء القانون وعلم الاجتماع على أهمية تنمية الوعي المجتمعي والرقابة الذاتية لدى المواطنين.

 

فالحفاظ على الحدائق والمتنزهات ليس مسؤولية رجال الأمن أو عمال النظافة وحدهم، بل هو واجب يقع على عاتق كل فرد يستفيد من هذه الخدمات.

 

وفي هذا السياق، يبرز دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلام في ترسيخ قيم المواطنة الإيجابية واحترام الممتلكات العامة.

 

"إن الممتلكات العامة هي امتداد للمنزل الخاص، والحفاظ عليها يعكس درجة رقي المجتمع وتحضره.
يجب أن نغرس في نفوس أطفالنا أن هذه الشجرة وهذا المقعد هما ملك لهم وللأجيال القادمة، وأن العبث بهما هو سرقة لحق الآخرين في الجمال والراحة.

القانون موجود لمعاقبة المخطئ، ولكن الوعي هو خط الدفاع الأول لمنع الخطأ من الأساس."

  • تصريح لخبير في القانون العام.

الاستمتاع المسؤول: معادلة فرحة العيد والحفاظ على الوطن

 

ختاماً، إن دعوة الاستمتاع بإجازة العيد في أحضان الطبيعة تظل قائمة ومتاحة للجميع، ولكنها دعوة مقترنة بشرط المسؤولية.

 

يمكن للعائلات قضاء أوقات لا تُنسى دون ترك أثر سلبي خلفها، وذلك عبر الالتزام بالقواعد البسيطة: استخدام سلال المهملات، والشواء في المناطق المخصصة فقط، وتوعية الأطفال بأهمية الحفاظ على كل مكون من مكونات الحديقة.

 

إن الاحتفال الحقيقي يكمن في الفرحة التي لا تضر بالآخرين أو بالمصلحة العامة.

 

فلتكن فرحتنا بالعيد دافعاً لترك الأماكن التي نرتادها أجمل مما كانت عليه، ولنثبت أن المواطن الواعي هو الحارس الأمين على مقدرات وطنه وجماله، لتبقى هذه المتنزهات شاهدة على أفراحنا عاماً بعد عام.

---