تُعَدُّ تجربة التنين الصيني نموذجًا يُلهِمُ الدولَ في جميعِ أنحاءِ العالم للنهوضِ والتحدِّي والإصرار على تحقيقِ النجاح، فقد ارتقت الصين إلى مكانٍ بارزٍ على الساحة الدولية كقوّةٍ عظمىً تنافسُ الجميع، وبخاصّةٍ الولاياتِ المتحدة، سواءً على الصعيدِ الاقتصادي أو العسكري، ويسعى جميعُ دولِ العالم لتحسينِ وتعزيزِ علاقاتِها مع أكبرِ اقتصادٍ في العالم، وذلك خاصّةً في ظلِّ الأزماتِ الطاحِنَةِ التي يواجهُها العالَمُ جراءَ فيروسِ كورونا والحربِ الروسيةِ الأوكرانية.
بسبب تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، زاد الاستقلال السياسي لدول المنطقة بشكل ملحوظ، وبدأ “الانفتاح والتنمية” يحظى بأهمية جديدة في الشرق الأوسط، وقد فتح التعاون الصيني العربي فرصًا تاريخية جديدة، إذ قامت الصين بدور الوساطة في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.
كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قد اتهموا الصين بتقديم أسلحة فتاكة إلى موسكو في سياق الأزمة الأوكرانية، ولكن نفت بكين هذه الاتهامات بشدة، ومع ذلك، تغيرت هذه الاتهامات الآن لتصبح نداءات إلى الصين للعب دور الوساطة في إنهاء الأزمة وإقناع روسيا بالجلوس على طاولة المفاوضات.
نظرًا للأحداث العالمية المتشابكة والمتوترة، قمنا بإجراء حوار مع الخبير في الشأن الصيني، الدكتور أحمد السعيد، وفيما يلي نص الحوار:
- مصر دائمًا متواجدة مع الصين في كل المستجدات في المنطقة.
- لن تتخذ الصين أي إجراءات عنيفة أو أمنية تجاه تايوان بأي شكل من الأشكال.
- يتوقع أن ينقسم العالم إلى معسكر شرقي وغربي دون وجود حرب باردة.
- تسعى أمريكا لعزل الصين من خلال الدول المجاورة لها.
- تعد الصين منتصرة كبيرة في أزمة كورونا، حيث حققت أفضل معدل اقتصادي بنمو يصل إلى 3%.
مصر تعتبر دولة مهمة للغاية بالنسبة للصين نظرًا لمكانتها الحيوية والمؤثرة في إقليمها، سواء كان ذلك في إفريقيا أو الشرق الأوسط، وبالتالي، فإن مصر تظل حاضرة مع الصين في كل الأحداث التي تجري في المنطقة، وبفضل موقعها الجغرافي الحيوي، فإن مصر تمتلك دائمًا أفضلية بالنسبة لخطط الصين، خاصةً مبادرة الحزام والطريق، وتتميز مصر بالزخم الإعلامي والثقافي والثقل السياسي والجيش القوي، بالإضافة إلى القيادة السياسية الحكيمة، كما أن العلاقات الوثيقة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والزعيم الصيني شي جين بينج تعزز تلك العلاقات، وبشكل عام، فإن الصين تؤكد على علاقاتها القوية والمستمرة مع مصر كشريك استراتيجي في المنطقة.
بشأن حل الأزمة الفلسطينية، يعتبر وجود ضامن أمرًا حاسمًا، ومن الممكن أن تلعب مصر دورًا مهمًا في هذا الصدد، لأنها تحظى بثقة الشعب الفلسطيني وتمتلك قوة دبلوماسية معتبرة، ولكن يجب ملاحظة أن الوضع في المنطقة يحتاج إلى جهود عالمية لتحقيق السلام والاستقرار، ولا يمكن الاعتماد على دولة واحدة لحل تلك الأزمة.
تلعب الصين دورًا هامًا في تعزيز الاستقرار في المنطقة، وذلك من خلال دعمها لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد 12 عامًا من الانعزالية، ومساعدتها في تخفيف التوترات وتحسين الوضع غير المستقر في السودان، كما أن الاستثمارات الصينية المتزايدة في مصر والمنطقة ستساهم بشكل كبير في التنمية والنمو الاقتصادي، وذلك بفضل الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تربط بين مصر والصين في مجالات مثل السياسة والاقتصاد والتجارة والإعلام، ومن المتوقع أن تستفيد مصر من هذه العلاقة الوثيقة بشكل خاص، نظرًا لمكانتها الحيوية في الإقليم والثقة التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني تجاهها، والتي يمكن أن تلعب دورًا هامًا في حل الأزمة الفلسطينية.
لا يعد تصريح وزير الخارجية الصيني تشين جانج جديدًا، بل هو عبارة عن بند أضيف خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، الذي يؤكد أن تايوان هي جزء لا يتجزأ من الصين وأن الصين واحدة، وتعتبر هذه التصريحات تأكيدًا لمبدأ الصين الثابت الذي لا يتغير بأي شكل من الأشكال.
تايوان ليست مجرد أزمة بين الصينيين الرئيسيين والتايوانيين، بل إنها أيضًا أزمة سياسية بين الحكومات الأمريكية والصينية واليابانية، يعتبر تصعيد الأزمة واحدة من الوسائل التي يستخدمها الأمريكيون لضغط الصين وتقييدها على الساحة الدولية، وتأتي تلك الأزمة في إطار العلاقات المعقدة بين الدول الكبرى ومصالحها الاقتصادية المتعارضة، ويتمثل ذلك بالخصوص في الصراع الدائر بين اليابان وكوريا والصين على سيطرة الخطوط التجارية والموانئ في المضيق الذي يحيط بتايوان.
تحتاج أزمة تايوان إلى حل داخلي سلمي من خلال التفاوض بين الحكومة التايوانية والصينية، فالحزب الكومينتانج الموالي للصين يسعى للعودة إلى الصين كجزء منها، بينما يحاول الحزب الديمقراطي التقدمي الانفصال عن البر الرئيسي ويحظى بدعم أمريكا واليابان، ومع ذلك، فإن المواطن التايواني يشعر بالاستقرار الحالي ولا يهتم بالانفصال أو العودة إلى الصين، فهو يستفيد من الجنسية والمزايا الاقتصادية المحلية، ويبقى الحل السلمي والداخلي هو الخيار الأمثل لإنهاء الأزمة، بعيدًا عن التدخلات الأجنبية والضغوط الخارجية.
بالنسبة للصين، فإن استرداد تايوان يتم عن طريق الوسائل السلمية والدبلوماسية، ولا يتم اللجوء إلى أي استخدام للقوة أو التهديد بها، فالصين تؤكد دائمًا أن تايوان هي جزء لا ينفصل عن الوطن الأم، ولا تعتبرها دولة مستقلة، ولذلك، فإن استخدام القوة لا يعد مرجحًا إلا في حالة إعلان تايوان انفصالها بشكل رسمي عن الصين، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ومن المهم الإشارة إلى أن الصين ليست غريبة عن استخدام القوة في تعاملها مع الدول الأخرى، ولكن هذا لن ينطبق على تايوان بسبب الموقف الخاص بها كجزء لا ينفصل عن الصين.
يحدث التبادل التجاري بين الصين وأوروبا ضررًا للاقتصاد الأوروبي، ولكن يجب أن نتذكر أن العلاقات السياسية هي علاقات مصالح، وقد يدفع ذلك أوروبا للتوجه نحو الصين، لأن المنافع الاقتصادية والتجارية التي تأتي منها أكبر من تلك التي تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية، وتتعامل الصين بذكاء شديد في هذا الشأن، إذ تحاول إضعاف العلاقات الأمريكية الأوروبية، من خلال صنع التفرقة بينهم، وعلى سبيل المثال، أجرى وزير الخارجية الصيني حوارًا صحفيًا مع السفير الأمريكي في بكين، قبل أن يتوجه إلى زيارة لألمانيا وفرنسا والنرويج، لإيصال رسالة صينية مفادها أنها تتعامل مع أوروبا بعيدًا عن الضغوط الأمريكية.
تمتلك ألمانيا وفرنسا أهمية كبيرة في التجارة مع الصين، حيث تعتبرا شريكين تجاريين رئيسيين لها، وبجانب ذلك، فإن فرنسا تستورد العديد من منتجاتها من الصين، في حين أن السياحة الصينية تشكل إحدى المصادر الرئيسية للدخل في باريس، وبالنسبة للصين، فإن توجهها نحو أوروبا يهدف إلى استقطاب الدول الأوروبية للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، مما يؤدي إلى عزلة أمريكا على الساحة الدولية، ويقلل من تأثير الدول التي تدعم واشنطن، دون وجود قيود أو شروط.
تحتمل بناء عالم متعدد الأقطاب في ظل التحركات الصينية، حيث تحتل أمريكا المركز الأول في التأثير الثقافي والإنساني، ومن الممكن أن تأتي الصين في المرتبة الثانية، كما يمكن أن تظهر كتل أخرى مثل روسيا التي تدعم الصين، وألمانيا التي تدعم أمريكا، وعلى الرغم من عدم قدرة بقية دول الاتحاد الأوروبي على المنافسة اقتصادياً، يمكن لها الاستفادة من الأوضاع المتغيرة، وبعد هذه التغيرات الكبيرة، قد ينقسم العالم إلى معسكر شرقي وغربي، ولكن من دون وجود حرب باردة؛ حيث أن الطرفين يكونان أغنية، وهذا يختلف عن تجربة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي.
من ناحية أخرى، يركز الصين على تواجدها في أفريقيا أكثر من أوروبا، كما أن وزير الخارجية تشين جانج زار القارة السمراء كأول زيارة خارجية له بعد تعيينه، ومع ذلك فإن العلاقات مع أوروبا تظل هامة للصين من أجل المكانة الدولية وتعزيز قوتها في الشؤون السياسية الدولية.