ذكرى إنشاء بنك مصر: مواقف خالدة لطلعت حرب لأذهب أنا ويبقى هو
يحتفل اليوم بذكرى إفتتاح بنك مصر في السابع من مايو عام 1922، وهو البنك الذي تأسس على يد الإقتصادي المصري طلعت باشا حرب في 13 إبريل عام 1920، وقد تم تأسيس البنك للاستثمار في المدخرات القومية وتوجيهها لتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي في مصر، ويُعتبر بنك مصر واحداً من أقدم البنوك المصرية وأهمها من حيث الحجم والنطاق الجغرافي للخدمات المصرفية التي يقدمها، ويستمر بنك مصر حتى يومنا هذا في دعم النمو الاقتصادي والاجتماعي في مصر، ويُعد أحد الدعائم الأساسية للاقتصاد المصري.
بنك مصر هو أحد أقدم البنوك في مصر، ويعتبر أحد أهم مؤسسات القطاع المصرفي في البلاد، تأسس البنك على يد الإقتصادي المصري طلعت باشا حرب في العام 1920، وتم إفتتاحه رسميا في السابع من مايو عام 1922، يهدف بنك مصر إلى تمويل مختلف القطاعات الاقتصادية والإجتماعية في مصر، وتوفير الخدمات المصرفية للمواطنين والشركات على حد سواء، ويعد بنك مصر نموذجا لنجاح البنوك العامة في مصر، حيث يتميز بقوة مالية كبيرة وأسس متينة، ويحظى بثقة عملائه ومستثمريه.
طلعت حرب لم يكن راضيًا عن الاعتماد على القروض الأجنبية التي كان يتلقاها الحكومة المصرية آنذاك، لذلك قرر تأسيس بنك مصر باعتماد أموال مصرية وإدارة مصرية، وقد استطاع طلعت حرب إقناع 126 مواطنًا مصريًا بالاكتتاب في البنك، حيث بلغت قيمة ما اكتتبوا به ثمانين ألف جنيه، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصري باشا، أحد أعيان مغاغة، وقد اشترى ألف سهم، وفي يوم 13 أبريل 1920، نُشر المرسوم الرسمي الذي أسس شركة بنك مصر في الجريدة الرسمية للدولة، ويعتبر بنك مصر أحد أهم المؤسسات المصرية التي تمكنت من تحقيق النمو الاقتصادي وتحرير مصر من الاستعمار الإنجليزي.
تأسيس بنك مصر
تأسيس بنك مصر كان ذا أهمية كبيرة للإقتصاد المصري، حيث قام طلعت حرب بتحويل توجه الإستثمار في مصر من الزراعة إلى الصناعة، مما أدى إلى تحويل تنموي للإقتصاد القومي، وتميز البنك بأنه مصري بالكامل، فرأسماله وإدارته وكوادره كلها مصرية، وكذلك تم استخدام اللغة العربية في جميع عملياته التجارية والمعاملات المالية، ويعتبر هذا التوجه الوطني لتأسيس بنك مصر والذي تميز بالاعتماد على الكفاءات المصرية والتعاون الوطني هو أحد الأمثلة الرائدة لترسيخ ثقافة الوطنية والإيمان بالإمكانيات المصرية والإرادة الوطنية لتحقيق التنمية والتقدم.
محمد طلعت حرب باشا لم يكن ينظر إلى بنك مصر على أنه مجرد مؤسسة مالية، بل كان يراه كرافعة أساسية لتطوير الإقتصاد المصري، وكان يعتقد بأن البنك يجب أن يؤسس مجموعة من الشركات المستقلة تدور في فلكه، وتعمل تحت إدارة مصرية وتنفذ مشاريع صناعية متنوعة تدعم الاقتصاد المصري وتشجع التنمية، وقد نتج عن هذه الرؤية تأسيس العديد من الشركات التابعة لبنك مصر، والتي تمثلت في الصناعات المختلفة، مثل الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية والغزل والنسيج والزجاج والسيارات والتأمين وغيرها، وبهذا الشكل، تمكن بنك مصر من الحصول على موارد إضافية، وتنمية أصوله وتوفير الدعم اللازم للصناعات المصرية، وهو ما ساعد على تعزيز الاقتصاد المصري وتحقيق التنمية المستدامة.
بنك مصر كان له دور كبير في تطوير الاقتصاد المصري خلال الفترة من ١٩٢٠ إلى ١٩٦٠، حيث قام البنك بإنشاء ٢٦ شركة في مجالات اقتصادية مختلفة، من بين هذه الشركات كانت شركة مصر للملاحة البحرية والتي كانت تهتم بتأمين خدمات الشحن والتصدير والاستيراد، كما تأسست شركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح وشركة مصر للصباغة وشركة مصر للمناجم والمحاجر وشركة مصر لتجارة وتصنيع الزيوت وشركة مصر للمستحضرات الطبية وشركة مصر للألبان والتغذية وشركة مصر للكيمياويات وشركة مصر للفنادق وشركة مصر للتأمين وشركة مصر للطيران وشركة مصر للسياحة، وقد ساهمت هذه الشركات في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة في مصر، وذلك بتوفير فرص عمل وتحسين الإنتاجية والكفاءة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
كما قام محمد طلعت حرب باسم البنك بتأسيس شركة بيع المنتجات المصرية لمنافسة الشركات الأجنبية في السوق المحلي، وهي شركة بنزايون-صيدناوي وغيرها من الشركات، كما قدم طلعت حرب دعمًا كبيرًا لصناعة السينما في مصر من خلال إنشاء ستوديوهات مصر، التي تمثلت في مجموعة من المباني الضخمة التي تضم استوديوهات تصوير ومسارح وغيرها من المرافق اللازمة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني.
عندما تعرض بنك مصر للأزمة في الفترة من عام ١٩٤٦ إلى ١٩٤٧، فرضت عليه قيود كبيرة، بما في ذلك منعه من الحصول على قروض من البنوك الأخرى وتقليص حجم القروض التي يمكنه منحها، ولتفادي الإفلاس، قام طلعت حرب ببيع بعض الأصول غير الضرورية للبنك، والاعتماد على الأموال التي كان يجمعها من بيع سندات الخزانة والاستثمار فيها، ورغم أن هذه الخطوات أنقذت البنك من الإفلاس، إلا أنها أدت إلى تقليص حجم الأعمال التجارية الذي كان يقوم به البنك، ويعتبر هذا الحدث من أحد الأسباب التي دفعت طلعت حرب إلى البحث عن فرص جديدة لتنمية الأعمال التجارية في الشركات التابعة للبنك.
طلب حرب من وزير المالية حسين سري باشا ثلاثة خيارات لإنقاذ بنك مصر من الأزمة التي يواجهها، وكانت هذه الخيارات هي: إصدار بيان من الحكومة بضمان ودائع المودعين في البنك، أو أن يقرض البنك الأهلي بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تصدر الحكومة أمرًا بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد، ولكن وزير المالية وضع شرطًا واحدًا لتلبية أي من هذه الخيارات.
تعبير “فلأذهب أنا وليعيش البنك” لا يعني حرفياً أن طلعت حرب باشا سيترك حياته من أجل البنك، بل يعني أنه سيبذل قصارى جهده لإنقاذ البنك وجعله يعيش ويتحسن، وفعلاً، قام طلعت حرب باشا باتخاذ عدة إجراءات لإنقاذ البنك، منها جمع تبرعات من الجمهور والشخصيات المؤثرة وإعادة هيكلة البنك وتعيين إدارة جديدة، وبفضل هذه الجهود، تمكن بنك مصر من التعافي والنمو بشكل كبير في السنوات التالية.
وتجدر الإشارة إلى أن محمد طلعت حرب باشا لم يكن مجرد رجل أعمال بارع، بل كان أيضًا سياسيًا مؤثرًا ووطنيًا مخلصًا، فقد شغل مناصب عدة في الحكومة المصرية، بما في ذلك وزير الإعلام والثقافة ووزير الصناعة والتجارة، كما كان عضوًا في مجلس الشيوخ المصري.
وعرف عنه حرصه الشديد على تطوير الصناعة المصرية ودعم الإنتاج المحلي، حيث أسس العديد من الشركات الوطنية الكبرى وشجع الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار في مصر، كما ساهم بشكل كبير في تنمية البنية التحتية للبلاد، حيث قام ببناء العديد من المباني الحكومية والمدارس والجامعات والمستشفيات في مختلف أنحاء البلاد.
ومن خلال مسيرته المهنية والسياسية، اكتسب محمد طلعت حرب باشا شعبية واسعة في مصر وحول العالم، واعتبر من بين أبرز رجال الأعمال والسياسيين في القرن العشرين، ورغم وفاته في عام 1961، فإن إرثه ما زال حاضرًا في مصر ويُذكر بإعجاب حتى اليوم.