توج الملك تشارلز الثالث اليوم السبت في حفل تتويج كبير يعود تاريخه إلى ألف عام، ويعد أكبر حدث احتفالي في بريطانيا منذ سبعة عقود.
هذا الحدث التاريخي يعود إلى العام 1066 م، ويتصل بتتويج سلف ويليام الفاتح، الذي يبلغ من العمر 74 عامًا، ويعد أكبر حدث احتفالي في بريطانيا منذ سبعين عامًا.
وفي حدث تاريخي آخر، تم تتويج كاميلا، زوجة الملك تشارلز الثاني البالغة من العمر 75 عامًا، كملكة قرينة في حفل استمر لمدة ساعتين، وفقًا لوكالة “رويترز” للأنباء.
في ظل الظروف السياسية الصعبة التي تواجهها المملكة، تمثل تتويج الملك حدثاً تاريخياً يمنح الشعب البريطاني فرصة للتفاؤل والانتعاش، ويأتي هذا الحدث في وقت تتغير فيه الديناميكية العالمية وتتحدث الدول عن تحديث العلاقات الدولية وتجاوز الصعوبات الحالية.
قال رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، إن الحفل الذي أقيم بمناسبة تتويج الملك تشارلز الثالث كان مدهشاً وفريداً، وأضاف أنه لا يوجد دولة أخرى يمكنها تقديم عرض مماثل من حيث الجمال والروعة والاحتفالات الرائعة وحفلات الشوارع.
بالرغم من حماس رئيس الوزراء البريطاني، يتم تتويج الملك وسط أجواء من التشكيك العام بشأن دور الملكية وأهميتها، وسط زيادة الأسعار التي تعاني منها البلاد، وخاصة بين الشباب الذين يشككون في دور الملكية وفعاليتها في الوقت الحالي.
تم تقييم الحفل الذي أقيم اليوم لتتويج الملك تشارلز بأنه أقل حجماً مقارنة بالاحتفالية الأسطورية التي أقيمت لتتويج الملكة إليزابيث في عام 1953، ومع ذلك، فإن الحفل اليوم لا يزال يستحق التقدير، حيث شمل مجموعة من الرموز التاريخية القيمة مثل الأجرام السماوية الذهبية والسيوف المرصعة بالجواهر، بالإضافة إلى صولجان يحمل أكبر ماسة مقطوعة عديمة اللون في العالم، مما يجعله حفلاً مبهراً ومذهلاً.
عقب وفاة الملكة السابقة، تولى تشارلز الحكم كملك للمملكة المتحدة تلقائيًا، وعلى الرغم من عدم الضرورة الفعلية لتتويجه، فإن الاحتفالية تعد وسيلة لإضفاء الشرعية على حكمه بطريقة رسمية وعلنية.
مئات الجنود بزيهم القرمزي وقبعاتهم السوداء واجهوا المطر الخفيف بصبر وتمثلوا حراسًا على طول الطريق الرئيسي المؤدي إلى قصر باكنجهام، في حين تجمع العشرات من الآلاف من الناس في الشوارع لمشاهدة هذه اللحظة التاريخية التي لا تُنسى، وصل عدد المتفرجين إلى أكثر من عشرين شخصًا في بعض المناطق، ورغم المطر الخفيف، إلا أنهم لم يتوانوا عن حضور هذا الحدث الكبير.
أرسلت السلطات أكثر من 11000 من رجال الشرطة للحفاظ على الأمن والنظام ومنع أي تعطيل للاحتفالية، وفي سياق ذي صلة، زعمت مجموعة حملة الجمهورية أن زعيمها غراهام سميث وخمسة متظاهرين آخرين قد تم اعتقالهم.
وعبر النائب كلايف لويس، الذي شارك في المظاهرة المناهضة للنظام الملكي، عن رأيه بأنه يعتبر نظامًا غير متكافئ وقد أصبح من الأمور القديمة العفا عليها الزمن، نظرًا لوجود مليارديرات ورثة يمتلكون الثروة والامتيازات بشكل وراثي، مما يرمز إلى وجود عدم المساواة في الثروة والسلطة في مجتمعنا.
عدد كبير من السياسيين والفنانين والشخصيات البارزة حضروا حفل التتويج، بما في ذلك الممثلات إيما تومسون وماجي سميث وجودي دينش، بالإضافة إلى المغنية الأمريكية كاتي بيري، ولم يكن الحفيدان الأكبر سنًا للملكة إليزابيث الثانية هما الوحيدان الذين شاركوا في الحفل، فقد لعبوا دورًا رسميًا في التتويج، ولفتوا أنظار وسائل الإعلام بقوة.
وعلى الرغم من ذلك، لم يكن الأمير هاري، نجل الملك تشارلز، له دور رسمي في الحفل بسبب الخلاف البارز الذي وقع بينه وبين عائلته، كما لم يشارك أيضاً شقيقه الأمير أندرو، الذي تم اضطهاده بسبب صداقته المثيرة للجدل مع الممول الأمريكي الراحل جيفري إبستين، وكلاهما حضرا الحفل وجلسا في الصف الثالث خلف أفراد العائلة المالكة المشاركين في الحفل.
عندما وقف الأمير تشارلز لأداء اليمين، كانت تلك اللحظة حاسمة بالنسبة له ولمملكة بريطانيا، حيث تعهد بأن يحكم بالعدل ويدعم كنيسة إنجلترا، حيث يشغل منصب رئيس فخري لها، ومع بدء الجزء الأكثر قداسة من الحفل، قام رئيس أساقفة كانتربري، جوستين ويلبي، بمسح يديه ورأسه وصدره بالزيت المقدس المكرس في القدس، وكان تشارلز جادًا ومنغمسًا في هذه اللحظات المهمة، حيث ترتبط بتاريخ بريطانيا وتراثها الديني.
تأدى تشارلز الثالث اليمين كملك على المملكة المتحدة البريطانية في كنيسة وستمنستر التاريخية، ليخلف والدته الملكة إليزابيث الثانية.
وضع رئيس الأساقفة جوستين ويلبي تاج القديس إدوارد على رأس الملك تشارلز الثالث، وفيما بعد قام الحضور في الحفل بترديد العبارة الشهيرة “حفظ الله الملك”.
واحدٌ من الشعائر الأساسية في مراسم تتويج الملك الملكي هو إرتداء الملك لخاتم التتويج الملكي، والمعروف أيضًا باسم “خاتم الزواج”، وهو يتألف من ياقوت أزرق مع صليب ياقوتي مرصع بالألماس، وقد تم صُنعه عند تتويج الملك ويليام الرابع في عام 1831، ومنذ ذلك الحين، يرتدي الملوك البريطانيون الخاتم بعد تتويجهم، ما يجعل منه رمزًا هامًا للتاريخ الملكي في بريطانيا.
يعد تاج التتويج الملكي في المملكة المتحدة من أكثر الرموز الفخرية والتقاليد التاريخية العريقة، ويتميز هذا الخاتم بالياقوت الأزرق والصليب الياقوتي المرصع بالألماس، وهو يعبر عن عهد الملك بالمحافظة على الكرامة الملكية والإنجازات التي تحققت خلال فترة حكمه، بالإضافة إلى ذلك، يستخدم الملك تشارلز الثالث تاج الدولة الإمبراطوري في المناسبات الرسمية الأخرى كافتتاح البرلمان، حيث يعد رمزاً للسلطة والقوة الملكية.
تاج الدولة الإمبراطوري هو تاج يعتبر أحد أهم الرموز في العرش البريطاني، وقد صُنع في عهد جد الملك تشارلز جورج السادس في عام 1937، يتميز التاج بما يقرب من 2868 ماسة، من بينها حجر كولينان الثاني الذي يعتبر ثاني أكبر حجر ماسي في العالم، ولقد قدمت حكومة ترانسفال في جنوب أفريقيا هذه الهدية الثمينة للملك إدوارد السابع في عيد ميلاده عام 1907، ولا يستخدم التاج إلا في المناسبات الرسمية الهامة مثل افتتاح البرلمان الرسمي، إذ يُعَد رمزاً للسلطة والعظمة في المملكة المتحدة.
تقدّم أفراد الأسرة الملكية والمواطنون البريطانيون الأسرة الحاكمة الجديدة بالولاء، معترفين بتولّيها عرش إنجلترا خلفاً لوالدتها الملكة إليزابيث الثانية.
وبعد إنهاء مراسم التتويج، دخل الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا إلى مصلى القديس إدوارد حيث قام الملك بإزالة تاج القديس إدوارد عن رأسه ووضع تاج الدولة الإمبراطوري، وبعد ذلك انضما إلى الموكب الذي اتجه إلى قصر باكنجهام بينما يُعزف النشيد الوطني للتعبير عن ولاء الشعب البريطاني للملك الجديد.