أكدت دار الإفتاء المصرية في بيان رسمي لها، أن الزواج حق من حقوق المعاق ذهنياً، مشيرة إلى أن الشريعة الإسلامية كفلت هذا الحق بمقتضى الفطرة الإنسانية. وأوضحت الدار أن المعاق ذهنياً إنسان مركب فيه العاطفة والشهوة، ويحتاج إلى سكن ونفقة ورعاية وعناية، شأنه شأن بقية بني جنسه، مع زيادته عليهم باحتياجه لرعاية زائدة فيما يرجع إلى حالته الخاصة.

 

وأشارت الدار إلى أن هذا الحق ثابت له طبعاً وشرعاً، مؤكدة أنه إذا كانت الشريعة قد أجازت للمجنون جنوناً مُطبقًا أن يتزوج، فإن من كان في مرتبةٍ دون هذه المرتبة -كالمعاق إعاقة ذهنية يسيرة- يكون زواجه جائزًا من باب أولى، ولا حرج في ذلك، ما دام المعاق مَحُوطًا بالعنايةِ وَالرعايةِ اللازمتين.

 

الولاية على عقد النكاح

 

أوضحت دار الإفتاء أن الزواج عقد من العقود، ومتى توفرت فيه أركانه وشرائطه صَحَّ وترتبت عليه آثارُه. ومن شروط صِحَّة العقود: أهليةُ المتعاقدَين، فإذا اختَلَّت هذه الأهلية بعارِضِ الجنون أو العَتَه: لم يَصِح للمجنون -ونحوه- أن يُباشِر الزواجَ بنفسه، ولو فَعَله لم يَنعَقد العقد؛ وذلك لأن النكاح تَصَرّفٌ مُتَوقِّف على القصد الصحيح، وهو لا يوجد إلا مع العَقل. ولهذا السبب، فإن الشَّرعَ قد أثبت سلطة ولاية أمر المجنون للغير؛ لأجل تحقيق الحفظ والصيانة له، وبموجب هذه السُّلطة يقوم الوليُّ برعاية شؤون المُولى عليه المتعلقة بشخصه.

 

ومن التصرفات التي يجوز للولي إيقاعها: تزويج المجنون الذي تحت ولايته؛ لمصلحة إعفافه أو إيوائه وحفظه وصيانته، وعليه فإن ولي أمر المعاق ذهنياً هو من يتولى عقد النكاح نيابة عنه.

 

وشددت دار الإفتاء على أن تصرفات الولي يجب أن تكون مقيدة بمصلحة المولى عليه، وأن المقصود من هيمنة الأولياء والأوصياء والكُفلاء هو محض المصلحة للمُولَى عليه والمُـوصَى عليه والمكفول، لا أن يتحوَّلَ الأمرُ إلى تجارةٍ للرقيقِ الأبيض في صُورةِ استخدام هؤلاء المعاقين استخدامًا غير آدمي وغير أخلاقي.

 

والأصل أن القَيِّم والوالدَين أو أحدهما تكون تصرفاته تجاه المعاق مقيدة بالمصلحة، دائرة معها؛ فإن كان في مصلحته من الناحية النفسيَّة أو الصحيَّة أو حتى الماديَّة الزواج فلا يجوز له الحيلولة بينه وبين ذلك.

 

الإنجاب ومصلحة المعاق

 

وفيما يتعلق بمسألة الإنجاب، أوضحت دار الإفتاء أن مرجعُ ذلك إلى الخبراء وأهل الاختصاص، وهم من يُعرَف من خلالهم درجة المصلحة والمفسدة فيما يترتب على الإنجاب أو عدمه أو تأخيره أو تحديده بحسب المصلحة لكل حالة على حِدَتها.

 

وأضافت أن هؤلاء هم الذين يستطيعون الحكم على قدرة المعاق ذهنيًّا على رعاية الأولاد في المراحل العمرية المختلفة من عدمها، وهل فرص حدوث توريث للمرض الذهني والعقلي قائمة؟ وما نسبة ذلك؟ وهل هذا الإنجاب يؤثر سلبًا على حالة الأب أو الأم؟ وغيرها من النظرات الاختصاصية التي يترجح معها الإنجاب أو عدمه، ويكون ذلك تحت رعاية وعناية وليِّ المعاق، وقد يحتاج الأمر للقاضي عند اللزوم أو التنازع.

 

وختمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن الزواج حق مكفول للمعاق ذهنياً، وأن الشريعة الإسلامية تحرص على مصلحته وتوفير الرعاية اللازمة له. كما أكدت على أهمية الرجوع إلى أهل الاختصاص في مسألة الإنجاب لضمان اتخاذ القرار المناسب الذي يحقق مصلحة المعاق والأسرة.