أصدرت دار الإفتاء المصرية ردًا قاطعًا على المزاعم التي تشكك في علم الإمام البخاري، مؤكدة أنه من فقهاء الأمة المعتبرين وأئمتها المجتهدين. وأوضحت الدار أن الإمام البخاري جمع بين العلوم المختلفة بدقة بالغة، وأن الفقهاء أنفسهم شهدوا بإمامته في علم الفقه. هذا الرد يأتي في سياق تصاعد بعض الأصوات التي تحاول التقليل من شأن الإمام البخاري، زاعمة أنه مجرد راوٍ وليس فقيهًا متمكنًا. دار الإفتاء شددت على أن هذه المزاعم لا تعدو كونها جهلًا وسفاهة وقلة حياء وضعف دين، داعية المسلمين إلى التكاتف للدفاع عن أئمتهم وعلمائهم ضد هؤلاء المفسدين.

 

وذكرت دار الإفتاء أن الإمام الفقيه اللغوي المجتهد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، صاحب "الصحيح"، هو زين هذه الأمة، وإمام حافظ فقيه واع. وأجمعت الأمة الإسلامية على إمامته وتقدمه عبر القرون. لم يكن البخاري إمامًا في الحديث فحسب، بل كان أيضًا إمامًا في الفقه واللغة والتاريخ، ووصف بالموسوعية التي لم تتأت لغيره من المحدثين، حتى نعت بأنه كان آية من آيات الله وأمة وحده، وأنه لم يكن في الدنيا مثله.

 

واستشهدت دار الإفتاء بأقوال كبار العلماء الذين أثنوا على علم الإمام البخاري وفقهه، فشيخه محمد بن بشار بندار وصفه بالسيادة على الفقهاء وأنه أفقه خلق الله في عصره. وقال محمد بن يوسف: "كنا مع أبي عبد الله عند محمد بن بشار، فسأله محمد بن بشار عن حديث، فأجابه، فقال: هذا أفقه خلق الله في زماننا، وأشار إلى محمد بن إسماعيل". كما وصفه شيخاه يعقوب بن إبراهيم الدورقي ونعيم بن حماد المروزي بأنه فقيه هذه الأمة. وأكد قتيبة بن سعيد أنه لو كان محمد بن إسماعيل في الصحابة لكان آية.

 

وأضافت دار الإفتاء أن الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، صاحب "صحيح مسلم"، جاء إلى الإمام البخاري وقبل بين عينيه، قائلاً: "دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله". "لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك"

 

هذا الثناء من الإمام مسلم يعكس المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها الإمام البخاري في أوساط العلماء والمحدثين. كما أوصى الإمام إسحاق بن راهويه أصحاب الحديث بالأخذ عن الإمام البخاري، مؤكدًا أنه لو كان في زمن الحسن البصري لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.

 

وفي ختام بيانها، شددت دار الإفتاء على أن الطعن في الإمام البخاري يعد خروجًا عن المسلك العلمي وشذوذًا عن المنهج الإسلامي، لأنه يمثل إهدارًا لشهادة أهل التخصص عبر العصور، وطعنًا في المنظومة العلمية الحديثية التي صرح الأئمة بتقدم الإمام البخاري فيها. الطعن في الإمام البخاري يهدف إلى الطعن في السنة النبوية الشريفة، المصدر الثاني للتشريع الإسلامي. ودعت دار الإفتاء المسلمين إلى الدفاع عن أئمتهم وعلمائهم ضد هؤلاء المفسدين، مؤكدة أن الله تعالى كفيل بهم ومبطل لكيدهم، وأن الإمام البخاري سيبقى جبلًا شامخًا ومنار هدى وعلامة فارقة في تاريخ الأمة وعلومها وتراثها.