يشكل قطاع التصنيع الغذائي ركيزة أساسية للاقتصاد، حيث يمتد من الإنتاج الزراعي إلى التعبئة والتغليف والتوزيع، وصولًا إلى المستهلك النهائي. وتعتبر الصحة والسلامة حجر الزاوية في هذا القطاع الحيوي، ليس فقط للعاملين فيه، بل أيضًا لضمان سلامة وجودة المنتجات التي تصل إلى المستهلكين. لذا، يقع على عاتق الشركات المنتجة للأغذية واجب والتزام بتطبيق أعلى معايير الصحة والسلامة، واعتماد أفضل الممارسات، وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية، وهو ما يعد من المتطلبات الأساسية في تصنيع وتجارة الأغذية.
الالتزام بمعايير الصحة والسلامة ليس مجرد خيار، بل هو التزام قانوني. فعدم الامتثال لهذه المعايير قد يؤدي إلى عقوبات صارمة، وسحب المنتجات من الأسواق، وحتى إغلاق الشركات. وعلى الصعيد العالمي، توجد لوائح ومعايير للممارسات التصنيعية الجيدة في صناعة الأغذية، حيث تتولى الهيئات المختصة في كل دولة مسؤولية وضع القواعد والمواصفات لتصنيع وتوزيع وبيع الأغذية، بالإضافة إلى التفتيش والتتبع. وتشمل قوانين سلامة الأغذية مجموعة واسعة من التطبيقات، مثل استخدام المواد والمعدات الآمنة، والتحكم في درجة الحرارة، وضمان النظافة الشخصية للعاملين، والسيطرة على الآفات، والتعامل مع الطعام بشكل صحيح.
يشير الدكتور أيمن دياب، الباحث بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، إلى الدور المحوري للتطور التكنولوجي في تعزيز سلامة الأغذية. “لقد ساهمت الابتكارات الحديثة في تكنولوجيا الإنتاج والتتبع، وتقنيات الكشف الميكروبيولوجية السريعة، وأجهزة الاستشعار الذكية لقياس درجة الحرارة والرطوبة، في تبسيط عملية تتبع وإدارة وضمان سلامة المواد الغذائية في أي مكان من سلسلة الإمداد.” كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) والروبوتات في خطوط الإنتاج، قلل من إمكانية التلوث والأخطاء البشرية، مما أدى إلى تحسين جودة الأغذية وكفاءة عملية التصنيع وزيادة الإنتاجية.
تتعدد المخاطر التي يمكن أن تهدد سلامة الأغذية وصحة العاملين في هذا القطاع. يمكن تصنيف هذه المخاطر إلى ثلاث فئات رئيسية: المخاطر البيولوجية، والتي تتمثل في الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات التي يمكن أن تسبب الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء. المخاطر الكيميائية، وتشمل تلوث المنتجات الغذائية بمواد ضارة مثل المبيدات الحشرية، ومواد التنظيف، أو الإضافات غير المصرح بها. وأخيرًا، المخاطر الفيزيائية، والتي تتضمن العناصر الغريبة مثل القطع المعدنية والزجاج والبلاستيك التي يمكن أن تصل إلى المنتجات الغذائية بسبب إجراءات المناولة أو التعبئة غير الصحيحة.
لضمان سلامة الغذاء وحماية صحة وسلامة العمال والمستهلكين، يجب على مصنعي الأغذية وموردي الخامات تطبيق أفضل الممارسات. يشمل ذلك الحفاظ على النظافة الشخصية للعاملين، وتنفيذ برنامج تحليل المخاطر ونقاط التحكم الحرجة (HACCP)، وتوفير التعليم والتدريب المستمر للعاملين، وتطبيق إجراءات فعالة للتنظيف والصرف الصحي. كما يجب توفير أدوات الحماية والوقاية الشخصية للعاملين، وتصميم وسائل عمل مريحة، والالتزام بالتوعية والتدريب المنتظم. وأخيرًا، يجب الالتزام بتطبيق معايير السلامة والنظافة الصارمة خلال جميع خطوات سلاسل الإنتاج، بدءًا من استلام الخامات من المزرعة وحتى وصول الغذاء للمستهلك.
تطبيق المعايير المحلية والدولية الخاصة بسلامة الأغذية يحقق العديد من المزايا للشركات والمؤسسات العاملة في هذا المجال، بما في ذلك زيادة القدرة التنافسية في الأسواق المحلية والعالمية، وزيادة ثقة العملاء، وخفض التكاليف الإنتاجية وتقليل الفاقد، مما يزيد من أرباح الشركات. يلعب معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية ومركز البحوث الزراعية دورًا هامًا وفعالًا في التوعية والإرشاد والتدريب في العديد من المعايير والتطبيقات الخاصة بسلامة الأغذية والتطوير لتكنولوجيا التصنيع الغذائي والجودة عن طريق الدورات المتخصصة في مجالات التصنيع الغذائي والاشتراطات اللازمة لإنتاج الأغذية.